نموتُ نموت و يحيَا الوَطنْ

نصّ لفتاة ماتت داخلي - رحمها الله -

____________________

كانت تردّد دوما :

" نموت نموت و يحيا الوطن "

متنا يا عزيزتي و لم يحي الوطن

مات الحلم

انقطعت حبال الأماني

انطفأت شمعة الرّجاء

و لم يحيَ الوطن .. متنا و سقت دمائنا أرض تونس

متنا و نهشت عضامَنا الكلاب

متنا و إلتحفوا جلدنا و صار غطاء

وسط كلّ هذا لم يحيَ الوطن ..

متّ جرّاء إهمال طبيّ

في مستشفى القرية

قريتي الصغيرة جنوبًا أقصى الشمّال في الساحل

قرية مهمّشة

سكّانها من الطبقة المُتخلّفة

نشربُ في قريتي من ماءٍ راكد في شبه بحيرة

نسكن في منازل من الأوهام

تبنيها لنا الدولة إثر كلّ حملة في الإنتخابات

في الإنتخابات أبيع صوتي

مقابل بضع دينارات

أشتري بيها رغيف خبز أغمسه بزيت الزيتون

رغم أنّ الزيتون ليس من عادات قريتنا

و أحيانا لا تكفيني تلك الدينارات لشراء الخبز فنأكل أظافرنا ندمًا و حسرة

قبل موتي كنت أدرس في مدرسة جميلة

أتعلّم فيها مكارم الأخلاق

و الغشّ

و السّرقة

و القمع

و الحريّات

في مدرستي الجميلة أغتصبت

و العارَ لبست

في مدرستي أُهان و في مدرستي - الجميلة طبعا -

يوجد مكتب إنصات يُصغي إليّ و يحلّ لي المشكلات

كبرت و توظّفت بعد عشر سنوات من البطالة

في ظروف عمل مزريَة و مقابل أجر بالكاد يكفيني لأشتري ما يكسوني و طعام بالكاد يكفيني لأحيا عملت ..

أمّي كانت أستاذة لهذا لم تسنح لي الفرصة لأكمل دراستي فلا منح لنا

إخترت السّلك الأمني رغم أنّ أمن بلادي كاد يتسبّب في مقتلي ظلما ذات مرّة و متّ في ليلة باردة من ليالي رمضان في مكان معزولٍ بعيدٍ عن قريتي و عن مدرستي و عن الحياة

في هذا المكان يترصدك الموت من كل جانب

أتيت هنا مقابل ذلك الأجر

و لتحرير وطن مريض من مرض خبيث

صُنّف هذا المرض من أخطر الأمراض و أكثرها شيوعا بين السّاسة الأمجاد ، حُماة الوطن الأوغاد ... و متُّ رقدت في صندوق من الورق المقوّى بسلام في دولة الإسلام

نُشرت صورتي على الحسابات و الصفحات

و أصبح شارع يحمل اسمي

لبس المرض جلبابا أسود و صعِد أخيرا المسرح ينحب

و صفّق الجمهور

و متّ أنا

و مات الوطن و عاش المرض يعيش